اعلم أخي المسلم – وفقني الله وإياك – أن حفظ القرآن الكريم يسير على من يسّره الله عليه ، قال تعالى:((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)) (القمر:17) .
ولما كان الأخذ بالأسباب أمراً لازماً لا بد منه، رأيت أن أذكر لك جملة من الأسباب التي تعين على حفظ كتاب الله عز وجل وضبطه، لعلك تنتفع بها أو ببعضها والله الموفق .
1- الإخلاص، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ... )) [1].
فينوي بحفظه وجه الله، والعمل به وتعليمه، لا ليقال فلان حافظونحو ذلك .
2- قوة العزيمة، وتوفر الهمة لحفظه، والاستمرار على ذلك .
3- المداومة على الحفظ يوميا وإن قلّ المحفوظ ؛ فخير الأعمال أدومها وإن قل، فلا يحفظ يوما وينقطع أياماً، ومن فعل ذلك فإنه في الغالب لا يستمر .
4- ترك النظر إلى آخر المصحف أو إلى آخر السورة، لا سيما عند بداية الحفظ وبداية كل سورة طويلة، فإن ذلك مما يضعف الهمة ويثني العزيمة .
5- أن لا يبدأ في حفظ آيات جديدة حتى يحسن ما قبلها .
6- أن يحفظ في مصحف واحد لا تختلف طبعته (وإن اختلفت النسخ) حتى يضبط مكان الآيات في المصحف، فيسهل عليه استحضارها متى شاء .
7- كثرة التكرار والصبر على ذلك، وأحسن طريقة للحفظ أن يقرأ الآيات التي يريد حفظها خمسين مرة نظراً في المصحف، ثم خمسين مرة عن ظهر قلب، أو أقل أو أكثر حسب مقدرته وطاقته، ولا ينبغي أن يكلف نفسه ما لا يطيق .
8- التفرغ للحفظ؛ فيخصص لحفظه وقتاً معيناً ثابتاً في كل يوم ينقطع فيه عن كل شاغل إلا ما لا بدل له منه .
9- اختيار الوقت المناسب، والمكان المناسب، وهذا يختلف من شخص لآخر، وأنسب الأوقات ما كان بعد راحة ونوم، وأما المكان المناسب فما كان بعيداً عن الضوضاء والمناظر الملهية ونحو ذلك .
10- صفاء الذهن؛ فلا يكون أثناء الحفظ مشغول البال؛ فيكون حفظه مضطرباً ضعيفاً .
11- أن يحفظ على شيخ موثوق ضابط؛ فإن القرآن إنما نقل إلينا مشافهة، والعلم إذا كان لا يؤخذ من الكتب مباشرة؛ فإن القرآن هو أصل العلم وأساسه، فلا يؤخذ من المصحف، ولا يكفي التلقي عن الشيوخ عن طريق الأشرطة المسجلة؛ بل لا بدّ من شيخ تجلس بين يديه وتقرأ عليه.
12- التنافس على حفظه مع الأقران، (( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)) فإن التنافس في مثل هذه الأمور يضاعف الهمة ويقوي العزيمة.
13- المبادرة إلى حفظه قبل الانشغال، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: ((اغتنم خمساً قبل خمس)) ذكر منها: ((فراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك)) .
والعلم في الصغر كالنقش على الحجر، ولقد كان من هدي سلفنا الصالح -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يعلمون أولادهم القرآن في سن مبكرة، فلا يتم أحدهم العاشرة إلا وقد حفظ القرآن كله وأتقنه .
14- كثرة استماع القرآن من المذياع وغيره، فإن ذلك يعين على الحفظ ويسهله .
15- ربط كل آية بالتي قبلها والتي بعدها أثناء الحفظ؛ فإن ذلك يعين على ضبط ترتيب الآيات وتسلسلها فلا يقدم آية على أخرى.
16- مراجعة تفسير الآيات من كتب التفسير الموثوقة؛ فإن فهم الآيات يعين على حفظها.
17- كتابة الآيات قبل حفظها من المصحف للتأكد من ضبطها؛ وبعد الحفظ فإن الكتابة تعين على تثبيت الحفظ .
18- العناية بالآيات المتشابهة أثناء الحفظ وبعده، وضبطها، وقد ألّفت في ذلك مؤلفات يمكن الرجوع إليها والاستعانة بها، ولكاتب هذه الأسطر رسالة صغيرة في هذا الموضوع بعنوان: تنبيه الحفّاظ للآيات المتشابهة الألفاظ ) .
وأخرها وهو من أهمها: الجمع بين الحفظ ومراجعة ما سبق حفظه، فيخصص وقتاً للمراجعة أثناء فترة الحفظ، ويحرص على قراءة ما حفظه في الصلوات وفي غيرها، حتى لا ينساه فيذهب جهده سدى.
ولا بأس أن يحمل في جيبه مصحفاً صغيراً للنظر فيه متى احتاج إلى ذلك، لكن ينبغي أن يحرص على صيانة المصحف من الإهانة أو الجلوس عليه، أو الدخول به إلى الأماكن النجسة ونحو ذلك .
هذه بعض الأسباب المعينة على حفظ القرآن وضبطه، أسال الله أن ينفع بها، وصلى الله على نبينا محمد .